قال بعض الناس: هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعاً، والجمهور أنه أمر قد وقع. وقوله: {واضرب لهم مثلا} يعني: لكفار قريش في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء وازدرائهم بهم، وافتخارهم عليهم كما قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ} [يس: 13].
كما قدمنا الكلام على قصتهم قبل قصة موسى عليه السلام، والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين وكان أحدهما مؤمناً والآخر كافراً، ويقال إنه كان لكل منهما مال فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه. (ج/ص: 2/ 140)
وأما الكافر فإنه اتخذ له بساتين وهما الجنتان المذكورتان في الآية على الصفة والنعت المذكور، فيهما أعناب ونخيل تحف تلك الأعناب والزروع في ذلك، والأنهار سارحة ههنا وههنا للسقي والتنزه، وقد استوثقت فيهما الثمار واضطربت فيهما الأنهار، وابتهجت الزروع والثمار، وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلاً له: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أي: أوسع جناناً، ومراده أنه خير منه ومعناه ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه، كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي، فافتخر على صاحبه.
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي: وهو على غير طريقة مرضية {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} وذلك لما رأى من اتساع أرضها، وكثرة مائها، وحسن نبات أشجارها، ولو قد بادت كل واحدة من هذه الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها وزروعها دارة لكثرة مياهها.
ثم قال: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة، ثم قال: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} أي: ولئن كان ثم آخرة ومعاد، فلأجدن هناك خيرا من هذا وذلك، لأنه اغتر بدنياه واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده.
كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره، وخبر خباب بن الأرت في قوله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم: 77-78].
وقال تعالى إخباراً عن الإنسان إذا أنعم الله عليه: {... لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [فصلت: 50].
وقال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي: لعلم الله بي أني أستحقه.
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 78] وقد قدمنا الكلام على قصته في أثناء قصة موسى.
وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37].
وقال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 25].
ولما اغتر هذا الجاهل بما خول به في الدنيا، فجحد الآخرة وادعى أنها إن وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه، وسمعه صاحبه يقول ذلك قال له: {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي: يجادله {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} أي: أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلاً سوياً سميعاً بصيراً تعلم وتبطش وتفهم، فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة؟
{لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} أي: لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك. (ج/ص: 2/ 141)
{هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} .
فيرى فيه أنه دون الموت، وكان يتأول هذه الآية {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
ثم قال المؤمن للكافر: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ} أي: في الدار الآخرة ويرسل عليها حسباناً من السماء.
قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة: أي عذاباً من السماء، والظاهر أنه المطر المزعج الباهر الذي يقتلع زروعها وأشجارها {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} وهو التراب الأملس الذي لا نبات فيه، {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً} وهو ضد المعين السارح {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً} يعني: فلا تقدر على استرجاعه.
قال الله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي: جاءه أمر أحاط بجميع حواصله، وخرب جنته ودمرها {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي: خربت بالكلية فلا عودة لها، وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث قال: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} وندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بالله العظيم فهو يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}.
قال الله تعالى: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً * هُنَالِكَ} أي: لم يكن أحد يتدارك ما فرط من أمره وما كان له قدرة في نفسه على شيء من ذلك كما قال تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق: 10].
وقوله: {الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} ومنهم من يبتدئ بقوله {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} وهو حسن أيضاً لقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان: 26]. (ج/ص: 2/ 142).
فالحكم الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب في تلك الحال، وفي كل حال لله الحق. ومنهم من رفع الحق جعله صفة للولاية وهما متلازمتان.
وقوله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً} أي: معاملته خير لصاحبها ثواباً وهو الجزاء، {وَخَيْرٌ عُقْباً} وهو العاقبة في الدنيا والآخرة.
وهذه القصة تضمنت أنه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا ولا يغتر بها
السبت مارس 26, 2016 2:20 am من طرف 2ananabac55
» Hack Texas HoldEm Poker
الأحد ديسمبر 21, 2014 10:30 pm من طرف yousef
» برنامج زيادة المال في لعبة Texas HoldEm Poker
الخميس فبراير 27, 2014 4:27 am من طرف nxh1910
» طريقة لزيادة الرصيد في بوكر الفيسبوك , اسهل طريقة لزيادة الشبس في لعبة البوكر
الأربعاء فبراير 12, 2014 4:12 am من طرف محمد حكيم
» برنامج زيادة النقاط وزيادة النقود في لعبة كنتري لايف country life
السبت فبراير 08, 2014 6:18 am من طرف sezer999
» طريقة استخراج الكنوز والدفائن
السبت نوفمبر 16, 2013 6:38 am من طرف zeidan
» اكتشاف13 مدفنا محفورة بالصخر الجيري في منطقة حوارة باربد
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:45 am من طرف zeidan
» الدفائن والكنوز اليهودية
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:01 am من طرف zeidan
» برنامج زيادة رصيد البوكر , الحصول على رصيد بالبوكر بالملاين
الإثنين سبتمبر 23, 2013 1:03 pm من طرف basemo
» برنامج الغش في لعبة Millionaire City مليونير المدينة في الفيسبوك facebook
السبت أغسطس 03, 2013 11:51 am من طرف ALJOKAR08
» تعرفة الخطوط الجديدة لمشتركي زين
الأربعاء مايو 01, 2013 4:03 pm من طرف علاء المنير
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الجمعة أبريل 12, 2013 12:25 am من طرف csc
» ما هو ( اندرويد ) ؟
الخميس مارس 07, 2013 6:44 am من طرف xxxfares
» عندما يكون الاشيء شيء
الإثنين يناير 14, 2013 12:32 am من طرف منى اللوزي
» كلمات سر امبايرز اند اليز
الجمعة يناير 11, 2013 5:54 am من طرف السفاح الابيض
» الصمت الصامت
الخميس يناير 10, 2013 7:00 am من طرف نشأت حداد
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:53 am من طرف سمرة
» مبارك يواجه مصيره
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:47 am من طرف سمرة
» لماذا نتألم
السبت سبتمبر 01, 2012 5:43 am من طرف لولو
» حقائق راسخة مغلوطة
السبت سبتمبر 01, 2012 5:32 am من طرف لولو