للأديب : مؤنس منيف الرزاز
" طرأ منقذ على هذا العالم عام... لا يذكر أي عام على وجه الدقة. والحق أنه لم يطرأ على هذا العالم, ذلك أن ظهوره وانبثاقه كانا أمرين حتميين, تقتضيهما الضرورة التاريخية المحكومة بقوانين الأقدار الصارمة لا الصدفة. وإلا لماذا سماه الختيار (منقذ)?... هكذا يفكر منقذ. يقول في نفسه:
"أتكلف المرض والفصام لتمويه عبقريتي. لأواري قدراتي الكامنة التي ستزهر في اللحظة الحرجة البهية المزلزلة. تلك اللحظة المختفية في رحم المستقبل المقبل بسرعة ضارية مثل طائرة الجمبو - جيت. لقد ركبت طائرة الجمبو - جيت برفقة طبيب صديق لوالدي. وانطلقنا إلى نيويورك الكفيفة حيث المهرجانات اليومية العادية الهاذية, والبنايات المشحونة بالذئاب البشرية الهائمة. واختلف أطباء نيويورك في أمري, مثلما اشتجرت آراء الأطباء الأردنيين في تشخيص مرضي المبجل. وكنت طوال الوقت أضحك في عبي, وأكركر في صمت, دون أن أفشي سري المرصع بالغموض الجليل, ودون أن أكشف عن رسالتي غير القابلة للمقايضة. فالكشف عنها قبل بزوغ اللحظة المبجلة, والدقيقة الحاضنة, سوف يوردني مورد المهالك, ويجعلني رهينة المكائد. .
أحد الأطباء, وكان أصلع الرأس صقيله, قال إنني ظاهرة مدهشة فريدة, يقف لها شعر الرأس ذهولاً. لكن شعر رأسه هو لن يقف ذهولاً لأنه أصلع. قال لطبيبي الأردني, بعد أن فحصني بدقة, وسألني أسئلة أجبت عنها بلغة إنكليزية بينة بليغة مستشهدًا بين الحين والآخر, بمقطع لشكسبير, أو مؤكدًا وجهة نظري بقصيدة كاملة (لديلان توماس) أو (والت ويتمان), إنني عبقري غير سوي. أعاني من فصام غريب فريد لا عهد له به. ورنوت إلى رأسه الصقيل, فلم أر شعرة تقف وتنتصب. ليته كان ذا شعر غزير. ما أجمل الشعر حين ينتصب دهشة. أنا لم أر رجلاً ينتصب شعره هولاً في حياتي. لكن عينيه كانتا جاحظتين, وخفت لوهلة أن تندلقا من محجريهما فيتبعثر كل ما فيهما من صور مختزنة على أرض العيادة النظيفة الباهرة. لا بد أنه سافر كثيرًا, وأقام علاقات لا تعد ولا تحصي. وتناسيت وجود الطبيبين, إذ راقت لي الخاطرة, ورأيت العينين تندلقان من المحجرين, فتتناثر الصور المختزنة فيهما. رأيت تمثال الحرية يتهاوى على الأرض ويتحول إلى حطام, ورأيت ساق امرأة زنجية, ومقعدها المفضل في الحانة التي أدمنت التردد عليها.. تتداعى على الأرض الصلبة دون جلبة.. آلاف الأشياء والوجوه والأماكن والصفحات والأوراق والأقراص.. تندلق مع العينين المسحوقتين على الأرض. وانتزعني صوته من هول المذبحة الصاخبة لذاكرة فقدت عينيها, سألني وهو يهز منكبيه:
- هل تحفظ كل ما تقرأ? .
قلت دون تردد:
- عن ظهر قلب, ومن المرة الأولي. أحفظ القرآن الكريم, وشكسبير, والمعلقات و... لا أقول إني أفهم كل ما أقرأ. لم أقل ذلك. قلت أحفظ. أ.. ح.. ف.. ظـ.. .
وسألني مقاطعًا وهو يقطب ما بين عينيه:
- ما علاقتك بالرياضيات? .
قلت وأنا أهز رأسي أسى:
- بغيضة. لست على علاقة إيجابية بالقوانين والقواعد المتفق عليها. .
تدخل الطبيب الأردني ليثبت وجوده ويؤكد رجولته فسألني:
- أنت لا تفهم العلاقة بين العلة والمعلول.. أليس كذلك? .
فتحت فمي لأقول. غير أني لم أنبس. خفت أن ينكشف سري. هذا الطبيب هو العليل والمعلول. أما أنا فأتكلف العلة تكلفًا, كي أجلل سري المبجل, ودوري التاريخي الخالد. .
سماء نيويورك ملبدة بالغيوم القاتمة, إذن فإن النساء سوف يتحررن من ضوء النهار الفاضح, فتطارد رغباتهن عارية بلا حياء أو تردد. قال صديق أبي (الطبيب الذي رافقني من عمان) إن السماء ملبدة بالغيوم القاتمة. (كنت أعرف ذلك) وأضاف: إذن.. سوف تمطر. .
ولم أسأله من التي سوف تمطر? وما علاقة السماء بالغيوم بالمطر? إذا كان يقصد أن السماء هي التي سوف تمطر, فالسماء تمطر أحيانًا بلا غيوم. والغيوم تمطر أحيانًا بلا سماء.. في الليل الحالك بالتحديد.. حيث لا سماء, ولا تحت ولا فوق. .
قال الطبيب الثاني إنني متخلف عقليّا وقد توقف نمو عقلي ما بين مطلع المراهقة... وكبوة ما قبل سن الرشد. وهذا يعني أنني حجر. أنني جماد لا ينمو. ولست نهرًا دافقًا. لكن الطبيب إياه غير رأيه حين فحصني مرة ثانية. وقال إنني لا أعاني من أي مرض. وإنني أبدو أبله ولكنني لست كذلك. .
الأرض تحتي ليست راسخة. والعالم ليس منتظمًا. إنني منشق عن المجتمع. لأنني ينبغي أن أتخلص من جاذبية التقاليد كي أحلق وأتجاوز وأتخطى.. وأنجز الحلم المبجل. وقال الطبيب الثاني إنني أقف على الشعرة التي تفصل بين العبقرية والجنون. .
قلت لمرافقي إن أطباء نيويورك يكررون ما قاله أطباء عمان. وإنني لا أحب الهمبرغر ذا الطبقات المتراصة. وبناء على ذلك, فإنني أحب أن أعود إلى عمان. حيث أبي وسعاد والخادمة آريا, والبيوت التي تتسلق الجبال, تتعرشها مثل قطيع من الماعز. تومئ من فوق التلال, وكأنها تتأهب للقفز إلى قعر الوادي.. انتحارًا. لكنها لا تقفز. بيوت اتخذت هيئة من يهم بالقفز, ثم تسمرت وتجمدت وثبتت في تلك البرهة الزمنية, التي تفصل بين عشق الحياة, والرغبة الضارية في الموت. . "
" طرأ منقذ على هذا العالم عام... لا يذكر أي عام على وجه الدقة. والحق أنه لم يطرأ على هذا العالم, ذلك أن ظهوره وانبثاقه كانا أمرين حتميين, تقتضيهما الضرورة التاريخية المحكومة بقوانين الأقدار الصارمة لا الصدفة. وإلا لماذا سماه الختيار (منقذ)?... هكذا يفكر منقذ. يقول في نفسه:
"أتكلف المرض والفصام لتمويه عبقريتي. لأواري قدراتي الكامنة التي ستزهر في اللحظة الحرجة البهية المزلزلة. تلك اللحظة المختفية في رحم المستقبل المقبل بسرعة ضارية مثل طائرة الجمبو - جيت. لقد ركبت طائرة الجمبو - جيت برفقة طبيب صديق لوالدي. وانطلقنا إلى نيويورك الكفيفة حيث المهرجانات اليومية العادية الهاذية, والبنايات المشحونة بالذئاب البشرية الهائمة. واختلف أطباء نيويورك في أمري, مثلما اشتجرت آراء الأطباء الأردنيين في تشخيص مرضي المبجل. وكنت طوال الوقت أضحك في عبي, وأكركر في صمت, دون أن أفشي سري المرصع بالغموض الجليل, ودون أن أكشف عن رسالتي غير القابلة للمقايضة. فالكشف عنها قبل بزوغ اللحظة المبجلة, والدقيقة الحاضنة, سوف يوردني مورد المهالك, ويجعلني رهينة المكائد. .
أحد الأطباء, وكان أصلع الرأس صقيله, قال إنني ظاهرة مدهشة فريدة, يقف لها شعر الرأس ذهولاً. لكن شعر رأسه هو لن يقف ذهولاً لأنه أصلع. قال لطبيبي الأردني, بعد أن فحصني بدقة, وسألني أسئلة أجبت عنها بلغة إنكليزية بينة بليغة مستشهدًا بين الحين والآخر, بمقطع لشكسبير, أو مؤكدًا وجهة نظري بقصيدة كاملة (لديلان توماس) أو (والت ويتمان), إنني عبقري غير سوي. أعاني من فصام غريب فريد لا عهد له به. ورنوت إلى رأسه الصقيل, فلم أر شعرة تقف وتنتصب. ليته كان ذا شعر غزير. ما أجمل الشعر حين ينتصب دهشة. أنا لم أر رجلاً ينتصب شعره هولاً في حياتي. لكن عينيه كانتا جاحظتين, وخفت لوهلة أن تندلقا من محجريهما فيتبعثر كل ما فيهما من صور مختزنة على أرض العيادة النظيفة الباهرة. لا بد أنه سافر كثيرًا, وأقام علاقات لا تعد ولا تحصي. وتناسيت وجود الطبيبين, إذ راقت لي الخاطرة, ورأيت العينين تندلقان من المحجرين, فتتناثر الصور المختزنة فيهما. رأيت تمثال الحرية يتهاوى على الأرض ويتحول إلى حطام, ورأيت ساق امرأة زنجية, ومقعدها المفضل في الحانة التي أدمنت التردد عليها.. تتداعى على الأرض الصلبة دون جلبة.. آلاف الأشياء والوجوه والأماكن والصفحات والأوراق والأقراص.. تندلق مع العينين المسحوقتين على الأرض. وانتزعني صوته من هول المذبحة الصاخبة لذاكرة فقدت عينيها, سألني وهو يهز منكبيه:
- هل تحفظ كل ما تقرأ? .
قلت دون تردد:
- عن ظهر قلب, ومن المرة الأولي. أحفظ القرآن الكريم, وشكسبير, والمعلقات و... لا أقول إني أفهم كل ما أقرأ. لم أقل ذلك. قلت أحفظ. أ.. ح.. ف.. ظـ.. .
وسألني مقاطعًا وهو يقطب ما بين عينيه:
- ما علاقتك بالرياضيات? .
قلت وأنا أهز رأسي أسى:
- بغيضة. لست على علاقة إيجابية بالقوانين والقواعد المتفق عليها. .
تدخل الطبيب الأردني ليثبت وجوده ويؤكد رجولته فسألني:
- أنت لا تفهم العلاقة بين العلة والمعلول.. أليس كذلك? .
فتحت فمي لأقول. غير أني لم أنبس. خفت أن ينكشف سري. هذا الطبيب هو العليل والمعلول. أما أنا فأتكلف العلة تكلفًا, كي أجلل سري المبجل, ودوري التاريخي الخالد. .
سماء نيويورك ملبدة بالغيوم القاتمة, إذن فإن النساء سوف يتحررن من ضوء النهار الفاضح, فتطارد رغباتهن عارية بلا حياء أو تردد. قال صديق أبي (الطبيب الذي رافقني من عمان) إن السماء ملبدة بالغيوم القاتمة. (كنت أعرف ذلك) وأضاف: إذن.. سوف تمطر. .
ولم أسأله من التي سوف تمطر? وما علاقة السماء بالغيوم بالمطر? إذا كان يقصد أن السماء هي التي سوف تمطر, فالسماء تمطر أحيانًا بلا غيوم. والغيوم تمطر أحيانًا بلا سماء.. في الليل الحالك بالتحديد.. حيث لا سماء, ولا تحت ولا فوق. .
قال الطبيب الثاني إنني متخلف عقليّا وقد توقف نمو عقلي ما بين مطلع المراهقة... وكبوة ما قبل سن الرشد. وهذا يعني أنني حجر. أنني جماد لا ينمو. ولست نهرًا دافقًا. لكن الطبيب إياه غير رأيه حين فحصني مرة ثانية. وقال إنني لا أعاني من أي مرض. وإنني أبدو أبله ولكنني لست كذلك. .
الأرض تحتي ليست راسخة. والعالم ليس منتظمًا. إنني منشق عن المجتمع. لأنني ينبغي أن أتخلص من جاذبية التقاليد كي أحلق وأتجاوز وأتخطى.. وأنجز الحلم المبجل. وقال الطبيب الثاني إنني أقف على الشعرة التي تفصل بين العبقرية والجنون. .
قلت لمرافقي إن أطباء نيويورك يكررون ما قاله أطباء عمان. وإنني لا أحب الهمبرغر ذا الطبقات المتراصة. وبناء على ذلك, فإنني أحب أن أعود إلى عمان. حيث أبي وسعاد والخادمة آريا, والبيوت التي تتسلق الجبال, تتعرشها مثل قطيع من الماعز. تومئ من فوق التلال, وكأنها تتأهب للقفز إلى قعر الوادي.. انتحارًا. لكنها لا تقفز. بيوت اتخذت هيئة من يهم بالقفز, ثم تسمرت وتجمدت وثبتت في تلك البرهة الزمنية, التي تفصل بين عشق الحياة, والرغبة الضارية في الموت. . "
السبت مارس 26, 2016 2:20 am من طرف 2ananabac55
» Hack Texas HoldEm Poker
الأحد ديسمبر 21, 2014 10:30 pm من طرف yousef
» برنامج زيادة المال في لعبة Texas HoldEm Poker
الخميس فبراير 27, 2014 4:27 am من طرف nxh1910
» طريقة لزيادة الرصيد في بوكر الفيسبوك , اسهل طريقة لزيادة الشبس في لعبة البوكر
الأربعاء فبراير 12, 2014 4:12 am من طرف محمد حكيم
» برنامج زيادة النقاط وزيادة النقود في لعبة كنتري لايف country life
السبت فبراير 08, 2014 6:18 am من طرف sezer999
» طريقة استخراج الكنوز والدفائن
السبت نوفمبر 16, 2013 6:38 am من طرف zeidan
» اكتشاف13 مدفنا محفورة بالصخر الجيري في منطقة حوارة باربد
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:45 am من طرف zeidan
» الدفائن والكنوز اليهودية
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:01 am من طرف zeidan
» برنامج زيادة رصيد البوكر , الحصول على رصيد بالبوكر بالملاين
الإثنين سبتمبر 23, 2013 1:03 pm من طرف basemo
» برنامج الغش في لعبة Millionaire City مليونير المدينة في الفيسبوك facebook
السبت أغسطس 03, 2013 11:51 am من طرف ALJOKAR08
» تعرفة الخطوط الجديدة لمشتركي زين
الأربعاء مايو 01, 2013 4:03 pm من طرف علاء المنير
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الجمعة أبريل 12, 2013 12:25 am من طرف csc
» ما هو ( اندرويد ) ؟
الخميس مارس 07, 2013 6:44 am من طرف xxxfares
» عندما يكون الاشيء شيء
الإثنين يناير 14, 2013 12:32 am من طرف منى اللوزي
» كلمات سر امبايرز اند اليز
الجمعة يناير 11, 2013 5:54 am من طرف السفاح الابيض
» الصمت الصامت
الخميس يناير 10, 2013 7:00 am من طرف نشأت حداد
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:53 am من طرف سمرة
» مبارك يواجه مصيره
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:47 am من طرف سمرة
» لماذا نتألم
السبت سبتمبر 01, 2012 5:43 am من طرف لولو
» حقائق راسخة مغلوطة
السبت سبتمبر 01, 2012 5:32 am من طرف لولو