بيان أصل السحر :
قال اللَّه تَعَالَى : وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر .. الآيَة )
فِي هَذِهِ الآيَة بَيَان أَصْل السِّحْر الَّذِي يَعْمَل بِهِ الْيَهُود , ثُمَّ هُوَ مِمَّا وَضَعَتْهُ الشَّيَاطِين عَلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام ، وَمِمَّا أُنْزِلَ عَلَى هَارُوت وَمَارُوت بِأَرْضِ بَابِل .
وَالثَّانِي مُتَقَدِّم الْعَهْد عَلَى الأَوَّل لأَنَّ قِصَّة هَارُوت وَمَارُوت كَانَتْ مِنْ قَبْل زَمَن نُوح عَلَيْهِ السَّلام عَلَى مَا ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره .
وَكَانَ السِّحْر مَوْجُودًا فِي زَمَن نُوح إِذْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ قَوْم نُوح أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِر , وَكَانَ السِّحْر أَيْضًا فَاشِيًا فِي قَوْم فِرْعَوْن وَكُلّ ذَلِكَ قَبْل سُلَيْمَان .
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالآيَةِ فَقِيلَ :
ـ إِنَّ سُلَيْمَان كَانَ جَمَعَ كُتُب السِّحْر وَالْكِهَانَة فَدَفَنَهَا تَحْت كُرْسِيّه فَلَمْ يَكُنْ أَحَد مِنْ الشَّيَاطِين يَسْتَطِيع أَنْ يَدْنُو مِنْ الْكُرْسِيّ , فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان وَذَهَبَتْ الْعُلَمَاء الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الأَمْر جَاءَهُمْ شَيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان فَقَالَ لِلْيَهُودِ : هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْز لا نَظِير لَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَاحْفِرُوا تَحْت الْكُرْسِيّ , فَحَفَرُوا - وَهُوَ مُتَنَحٍّ عَنْهُمْ - فَوَجَدُوا تِلْكَ الْكُتُب , فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ سُلَيْمَان كَانَ يَضْبِط الإِنْس وَالْجِنّ بِهَذَا , فَفَشَا فِيهِمْ أَنَّ سُلَيْمَان كَانَ سَاحِرًا , فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن بِذِكْرِ سُلَيْمَان فِي الأَنْبِيَاء أَنْكَرَتْ الْيَهُود ذَلِكَ وَقَالُوا إِنَّمَا كَانَ سَاحِرًا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة . أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره عَنْ السُّدِّيّ , وَمِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر بِسَنَدٍ صَحِيح نَحْوه .
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق الرَّبِيع بْن أَنَس نَحْوه وَلَكِنْ قَالَ : إِنَّ الشَّيَاطِين هِيَ الَّتِي كَتَبَتْ كُتُب السِّحْر وَدَفَنَتْهَا تَحْت كُرْسِيّه , ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان اِسْتَخْرَجَتْهُ وَقَالُوا : هَذَا الْعِلْم الَّذِي كَانَ سُلَيْمَان يَكْتُمهُ النَّاس . وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَزَادَ أَنَّهُمْ نَقَشُوا خَاتَمًا عَلَى نَقْش خَاتَم سُلَيْمَان وَخَتَمُوا بِهِ الْكِتَاب وَكَتَبُوا بِهِ الْكِتَاب وَكَتَبُوا عُنْوَانه " هَذَا مَا كَتَبَ آصَف بْن بَرْخِيَاء الصِّدِّيق لِلْمَلِكِ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِر كُنُوز الْعِلْم " ثُمَّ دَفَنُوهُ فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ .
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق الْعُوفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْو مَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّدِّيّ وَلَكِنْ قَالَ أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْكُتُب قَالُوا هَذَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى سُلَيْمَان فَأَخْفَاهُ مِنَّا .
وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : اِنْطَلَقَتْ الشَّيَاطِين فِي الأَيَّام الَّتِي اُبْتُلِيَ فِيهَا سُلَيْمَان , فَكَتَبَتْ كُتُبًا فِيهَا سِحْر وَكُفْر , ثُمَّ دَفَنَتْهَا تَحْت كُرْسِيّه ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْده فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاس .
وَمُلَخَّص مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الآيَة أَنَّ الْمَحْكِيّ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين هُمْ أَهْل الْكِتَاب , إِذْ تَقَدَّمَ قَبْل ذَلِكَ فِي الآيَات إِيضَاح ذَلِكَ , وَالْجُمْلَة مَعْطُوفَة عَلَى مَجْمُوع الْجُمَل السَّابِقَة مِنْ قَوْله تَعَالَى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُول ) إِلَى آخِر الآيَة , و " مَا " فِي قَوْله ( مَا تَتْلُو الشَّيَاطِين ) مَوْصُولَة عَلَى الصَّوَاب , وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَافِيَة لأَنَّ نَظْم الْكَلَام يَأْبَاهُ , و " تَتْلُو " لَفْظه مُضَارِع لَكِنْ هُوَ وَاقِع مَوْقِع الْمَاضِي وَهُوَ اِسْتِعْمَال شَائِع , وَمَعْنَى تَتْلُو تَتَقَوَّل , وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى , وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَتْبَع أَوْ تَقْرَأ , وَيَحْتَاج إِلَى تَقْدِير قِيلَ هُوَ تَقْرَأ عَلَى زَمَان مُلْك سُلَيْمَان .[1]
وَقِصَّة هَارُوت وَمَارُوت جَاءَتْ بِسَنَدٍ حَسَن مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر فِي مُسْنَد أَحْمَد
ـ عن ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الأَرْضِ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ أَيْ رَبِّ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" قَالُوا رَبَّنَا نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ : هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلائِكَةِ حَتَّى يُهْبَطَ بِهِمَا إِلَى الأَرْضِ فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلانِ ، قَالُوا : رَبَّنَا هَارُوتُ وَمَارُوتُ ، فَأُهْبِطَا إِلَى الأَرْضِ وَمُثِّلَتْ لَهُمَا الزُّهَرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ حَتَّى تَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الإِشْرَاكِ ، فَقَالا : وَاللَّهِ لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ أَبَدًا ، فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلا هَذَا الصَّبِيَّ ، فَقَالا : وَاللَّهِ لا نَقْتُلُهُ أَبَدًا ، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ ، فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا ، قَالَتْ : لا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ ، فَشَرِبَا فَسَكِرَا ، فَوَقَعَا عَلَيْهَا ، وَقَتَلا الصَّبِيَّ ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ : وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أَبَيْتُمَاهُ عَلَيَّ إِلا قَدْ فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا ))
سنده حسن : أخرجه أحمد
وَأَطْنَبَ الطَّبَرِيُّ فِي إِيرَاد طُرُقهَا بِحَيْثُ يَقْضِي بِمَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلاً , خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ بُطْلانهَا كَعِيَاضٍ وَمَنْ تَبِعَهُ .
وَمُحَصِّلهَا أَنَّ اللَّه رَكَّبَ الشَّهْوَة فِي مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلائِكَة اِخْتِبَارًا لَهُمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا فِي الأَرْض , فَنَزَلا عَلَى صُورَة الْبَشَر وَحَكَمَا بِالْعَدْلِ مُدَّة , ثُمَّ اُفْتُتِنَا بِامْرَأَةٍ جَمِيلَة فَعُوقِبَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بِأَنْ حُبِسَا فِي بِئْر بِبَابِل مُنَكَّسَيْنِ وَابْتُلِيَا بِالنُّطْقِ بِعِلْمِ السِّحْر , فَصَارَ يَقْصِدهُمَا مَنْ يَطْلُب ذَلِكَ فَلا يَنْطِقَانِ بِحَضْرَةِ أَحَد حَتَّى يُحَذِّرَاهُ وَيَنْهَيَاهُ , فَإِذَا أَصَرَّ تَكَلَّمَا بِذَلِكَ لِيَتَعَلَّم مِنْهُمَا ذَلِكَ وَهُمَا قَدْ عَرَفَا ذَلِكَ فَيَتَعَلَّم مِنْهُمَا مَا قَصَّ اللَّه عَنْهُمَا , وَاَللَّه أَعْلَم .[2]
حكم السحر :
قَالَ النَّوَوِيّ : عَمَل السِّحْر حَرَام وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر بِالإِجْمَاعِ , وَقَدْ عَدَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّبْع الْمُوبِقَات , وَمِنْهُ مَا يَكُون كُفْرًا , وَمِنْهُ لا يَكُون كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَة كَبِيرَة .
فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْل أَوْ فِعْل يَقْتَضِي الْكُفْر فَهُوَ كُفْر وَإِلا فَلا .
وَأَمَّا تَعَلُّمه وَتَعْلِيمه فَحَرَام , فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْر كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلا يُقْتَل , فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَته , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْر عُزِّرَ .
وَعَنْ مَالِك : السَّاحِر كَافِر يُقْتَل بِالسِّحْرِ وَلا يُسْتَتَاب بَلْ يَتَحَتَّم قَتْله كَالزِّنْدِيقِ . قَالَ عِيَاض : وَبِقَوْلِ مَالِك قَالَ أَحْمَد وَجَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ا هـ .
وَفِي إِيرَاد البخاري هَذِهِ الآيَة إِشَارَة إِلَى اِخْتِيَار الْحُكْم بِكُفْرِ السَّاحِر لِقَوْلِهِ فِيهَا : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر ) فَإِنَّ ظَاهِرهَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ , وَلا يُكْفَر بِتَعْلِيمِ الشَّيْء إِلا وَذَلِكَ الشَّيْء كُفْر .
وَكَذَا قَوْله فِي الآيَة عَلَى لِسَان الْمَلَكَيْنِ : ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلا تَكْفُر ) فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ تَعَلُّم السِّحْر كُفْر فَيَكُون الْعَمَل بِهِ كُفْرًا .[3]
[1] الفتح (10/234)
[2] الفتح (10/235)
[3] الفتح (10/235)
قال اللَّه تَعَالَى : وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر .. الآيَة )
فِي هَذِهِ الآيَة بَيَان أَصْل السِّحْر الَّذِي يَعْمَل بِهِ الْيَهُود , ثُمَّ هُوَ مِمَّا وَضَعَتْهُ الشَّيَاطِين عَلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام ، وَمِمَّا أُنْزِلَ عَلَى هَارُوت وَمَارُوت بِأَرْضِ بَابِل .
وَالثَّانِي مُتَقَدِّم الْعَهْد عَلَى الأَوَّل لأَنَّ قِصَّة هَارُوت وَمَارُوت كَانَتْ مِنْ قَبْل زَمَن نُوح عَلَيْهِ السَّلام عَلَى مَا ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره .
وَكَانَ السِّحْر مَوْجُودًا فِي زَمَن نُوح إِذْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ قَوْم نُوح أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِر , وَكَانَ السِّحْر أَيْضًا فَاشِيًا فِي قَوْم فِرْعَوْن وَكُلّ ذَلِكَ قَبْل سُلَيْمَان .
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالآيَةِ فَقِيلَ :
ـ إِنَّ سُلَيْمَان كَانَ جَمَعَ كُتُب السِّحْر وَالْكِهَانَة فَدَفَنَهَا تَحْت كُرْسِيّه فَلَمْ يَكُنْ أَحَد مِنْ الشَّيَاطِين يَسْتَطِيع أَنْ يَدْنُو مِنْ الْكُرْسِيّ , فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان وَذَهَبَتْ الْعُلَمَاء الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الأَمْر جَاءَهُمْ شَيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان فَقَالَ لِلْيَهُودِ : هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْز لا نَظِير لَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَاحْفِرُوا تَحْت الْكُرْسِيّ , فَحَفَرُوا - وَهُوَ مُتَنَحٍّ عَنْهُمْ - فَوَجَدُوا تِلْكَ الْكُتُب , فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ سُلَيْمَان كَانَ يَضْبِط الإِنْس وَالْجِنّ بِهَذَا , فَفَشَا فِيهِمْ أَنَّ سُلَيْمَان كَانَ سَاحِرًا , فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن بِذِكْرِ سُلَيْمَان فِي الأَنْبِيَاء أَنْكَرَتْ الْيَهُود ذَلِكَ وَقَالُوا إِنَّمَا كَانَ سَاحِرًا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة . أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره عَنْ السُّدِّيّ , وَمِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر بِسَنَدٍ صَحِيح نَحْوه .
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق الرَّبِيع بْن أَنَس نَحْوه وَلَكِنْ قَالَ : إِنَّ الشَّيَاطِين هِيَ الَّتِي كَتَبَتْ كُتُب السِّحْر وَدَفَنَتْهَا تَحْت كُرْسِيّه , ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان اِسْتَخْرَجَتْهُ وَقَالُوا : هَذَا الْعِلْم الَّذِي كَانَ سُلَيْمَان يَكْتُمهُ النَّاس . وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَزَادَ أَنَّهُمْ نَقَشُوا خَاتَمًا عَلَى نَقْش خَاتَم سُلَيْمَان وَخَتَمُوا بِهِ الْكِتَاب وَكَتَبُوا بِهِ الْكِتَاب وَكَتَبُوا عُنْوَانه " هَذَا مَا كَتَبَ آصَف بْن بَرْخِيَاء الصِّدِّيق لِلْمَلِكِ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِر كُنُوز الْعِلْم " ثُمَّ دَفَنُوهُ فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ .
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق الْعُوفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْو مَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّدِّيّ وَلَكِنْ قَالَ أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْكُتُب قَالُوا هَذَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى سُلَيْمَان فَأَخْفَاهُ مِنَّا .
وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : اِنْطَلَقَتْ الشَّيَاطِين فِي الأَيَّام الَّتِي اُبْتُلِيَ فِيهَا سُلَيْمَان , فَكَتَبَتْ كُتُبًا فِيهَا سِحْر وَكُفْر , ثُمَّ دَفَنَتْهَا تَحْت كُرْسِيّه ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْده فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاس .
وَمُلَخَّص مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الآيَة أَنَّ الْمَحْكِيّ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين هُمْ أَهْل الْكِتَاب , إِذْ تَقَدَّمَ قَبْل ذَلِكَ فِي الآيَات إِيضَاح ذَلِكَ , وَالْجُمْلَة مَعْطُوفَة عَلَى مَجْمُوع الْجُمَل السَّابِقَة مِنْ قَوْله تَعَالَى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُول ) إِلَى آخِر الآيَة , و " مَا " فِي قَوْله ( مَا تَتْلُو الشَّيَاطِين ) مَوْصُولَة عَلَى الصَّوَاب , وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَافِيَة لأَنَّ نَظْم الْكَلَام يَأْبَاهُ , و " تَتْلُو " لَفْظه مُضَارِع لَكِنْ هُوَ وَاقِع مَوْقِع الْمَاضِي وَهُوَ اِسْتِعْمَال شَائِع , وَمَعْنَى تَتْلُو تَتَقَوَّل , وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى , وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَتْبَع أَوْ تَقْرَأ , وَيَحْتَاج إِلَى تَقْدِير قِيلَ هُوَ تَقْرَأ عَلَى زَمَان مُلْك سُلَيْمَان .[1]
وَقِصَّة هَارُوت وَمَارُوت جَاءَتْ بِسَنَدٍ حَسَن مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر فِي مُسْنَد أَحْمَد
ـ عن ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الأَرْضِ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ أَيْ رَبِّ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" قَالُوا رَبَّنَا نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ : هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلائِكَةِ حَتَّى يُهْبَطَ بِهِمَا إِلَى الأَرْضِ فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلانِ ، قَالُوا : رَبَّنَا هَارُوتُ وَمَارُوتُ ، فَأُهْبِطَا إِلَى الأَرْضِ وَمُثِّلَتْ لَهُمَا الزُّهَرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ حَتَّى تَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الإِشْرَاكِ ، فَقَالا : وَاللَّهِ لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ أَبَدًا ، فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلا هَذَا الصَّبِيَّ ، فَقَالا : وَاللَّهِ لا نَقْتُلُهُ أَبَدًا ، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ ، فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا ، قَالَتْ : لا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ ، فَشَرِبَا فَسَكِرَا ، فَوَقَعَا عَلَيْهَا ، وَقَتَلا الصَّبِيَّ ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ : وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أَبَيْتُمَاهُ عَلَيَّ إِلا قَدْ فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا ))
سنده حسن : أخرجه أحمد
وَأَطْنَبَ الطَّبَرِيُّ فِي إِيرَاد طُرُقهَا بِحَيْثُ يَقْضِي بِمَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلاً , خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ بُطْلانهَا كَعِيَاضٍ وَمَنْ تَبِعَهُ .
وَمُحَصِّلهَا أَنَّ اللَّه رَكَّبَ الشَّهْوَة فِي مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلائِكَة اِخْتِبَارًا لَهُمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا فِي الأَرْض , فَنَزَلا عَلَى صُورَة الْبَشَر وَحَكَمَا بِالْعَدْلِ مُدَّة , ثُمَّ اُفْتُتِنَا بِامْرَأَةٍ جَمِيلَة فَعُوقِبَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بِأَنْ حُبِسَا فِي بِئْر بِبَابِل مُنَكَّسَيْنِ وَابْتُلِيَا بِالنُّطْقِ بِعِلْمِ السِّحْر , فَصَارَ يَقْصِدهُمَا مَنْ يَطْلُب ذَلِكَ فَلا يَنْطِقَانِ بِحَضْرَةِ أَحَد حَتَّى يُحَذِّرَاهُ وَيَنْهَيَاهُ , فَإِذَا أَصَرَّ تَكَلَّمَا بِذَلِكَ لِيَتَعَلَّم مِنْهُمَا ذَلِكَ وَهُمَا قَدْ عَرَفَا ذَلِكَ فَيَتَعَلَّم مِنْهُمَا مَا قَصَّ اللَّه عَنْهُمَا , وَاَللَّه أَعْلَم .[2]
حكم السحر :
قَالَ النَّوَوِيّ : عَمَل السِّحْر حَرَام وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر بِالإِجْمَاعِ , وَقَدْ عَدَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّبْع الْمُوبِقَات , وَمِنْهُ مَا يَكُون كُفْرًا , وَمِنْهُ لا يَكُون كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَة كَبِيرَة .
فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْل أَوْ فِعْل يَقْتَضِي الْكُفْر فَهُوَ كُفْر وَإِلا فَلا .
وَأَمَّا تَعَلُّمه وَتَعْلِيمه فَحَرَام , فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْر كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلا يُقْتَل , فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَته , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْر عُزِّرَ .
وَعَنْ مَالِك : السَّاحِر كَافِر يُقْتَل بِالسِّحْرِ وَلا يُسْتَتَاب بَلْ يَتَحَتَّم قَتْله كَالزِّنْدِيقِ . قَالَ عِيَاض : وَبِقَوْلِ مَالِك قَالَ أَحْمَد وَجَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ا هـ .
وَفِي إِيرَاد البخاري هَذِهِ الآيَة إِشَارَة إِلَى اِخْتِيَار الْحُكْم بِكُفْرِ السَّاحِر لِقَوْلِهِ فِيهَا : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر ) فَإِنَّ ظَاهِرهَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ , وَلا يُكْفَر بِتَعْلِيمِ الشَّيْء إِلا وَذَلِكَ الشَّيْء كُفْر .
وَكَذَا قَوْله فِي الآيَة عَلَى لِسَان الْمَلَكَيْنِ : ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلا تَكْفُر ) فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ تَعَلُّم السِّحْر كُفْر فَيَكُون الْعَمَل بِهِ كُفْرًا .[3]
[1] الفتح (10/234)
[2] الفتح (10/235)
[3] الفتح (10/235)
السبت مارس 26, 2016 2:20 am من طرف 2ananabac55
» Hack Texas HoldEm Poker
الأحد ديسمبر 21, 2014 10:30 pm من طرف yousef
» برنامج زيادة المال في لعبة Texas HoldEm Poker
الخميس فبراير 27, 2014 4:27 am من طرف nxh1910
» طريقة لزيادة الرصيد في بوكر الفيسبوك , اسهل طريقة لزيادة الشبس في لعبة البوكر
الأربعاء فبراير 12, 2014 4:12 am من طرف محمد حكيم
» برنامج زيادة النقاط وزيادة النقود في لعبة كنتري لايف country life
السبت فبراير 08, 2014 6:18 am من طرف sezer999
» طريقة استخراج الكنوز والدفائن
السبت نوفمبر 16, 2013 6:38 am من طرف zeidan
» اكتشاف13 مدفنا محفورة بالصخر الجيري في منطقة حوارة باربد
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:45 am من طرف zeidan
» الدفائن والكنوز اليهودية
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:01 am من طرف zeidan
» برنامج زيادة رصيد البوكر , الحصول على رصيد بالبوكر بالملاين
الإثنين سبتمبر 23, 2013 1:03 pm من طرف basemo
» برنامج الغش في لعبة Millionaire City مليونير المدينة في الفيسبوك facebook
السبت أغسطس 03, 2013 11:51 am من طرف ALJOKAR08
» تعرفة الخطوط الجديدة لمشتركي زين
الأربعاء مايو 01, 2013 4:03 pm من طرف علاء المنير
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الجمعة أبريل 12, 2013 12:25 am من طرف csc
» ما هو ( اندرويد ) ؟
الخميس مارس 07, 2013 6:44 am من طرف xxxfares
» عندما يكون الاشيء شيء
الإثنين يناير 14, 2013 12:32 am من طرف منى اللوزي
» كلمات سر امبايرز اند اليز
الجمعة يناير 11, 2013 5:54 am من طرف السفاح الابيض
» الصمت الصامت
الخميس يناير 10, 2013 7:00 am من طرف نشأت حداد
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:53 am من طرف سمرة
» مبارك يواجه مصيره
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:47 am من طرف سمرة
» لماذا نتألم
السبت سبتمبر 01, 2012 5:43 am من طرف لولو
» حقائق راسخة مغلوطة
السبت سبتمبر 01, 2012 5:32 am من طرف لولو