الرسول "الأنسان" عليه الصلاة والسلام

ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يولد جميع البشر ومر بمراحل الحياة المختلفة، كما يمر غيره من بني الإنسان، وهو صلى الله عليه وآله وسلم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويرعى الأغنام ويشارك في الفضائل ويدفع الرذائل واتصف بين قومه بحسن الأخلاق وجميل الصفات حتى اشتهر في قومه بالصادق الأمين فهو إنسان لكنه متميز في إنسانيته قبل البعثة، وهذا ما أدى بالسيدة خديجة رضي الله عنها أن تفضله في الزواج منها على أشراف مكة وساداتها، وذوي المال والجاه والسلطان، لأنها رأت فيه ما يعلو على كل ما يملكه هؤلاء، أما بعد البعثة فقد ازداد شرفه صلى الله عليه وآله وسلم وعلا قدره وفضله وينزل القرآن يؤكد إنسانية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبشريته، فيقول تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد" الكهف 110، وذلك حينما اعترض المشركون على بشرية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا كما ذكر القرآن عنهم: "وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا" الفرقان7، ولكن هذه البشرية أعطت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معاني الإنسانية التي ارتقى بها الرسول على سائر البشر، وتتعلم منه الإنسانية صفات الكمال البشرية، يقول تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة 128، ويقول تعالى: "أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم" يونس 2، لقد جسد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معاني الإنسانية الكاملة في سلوكه وفي أخلاقه وتعاملاته، فكان في بيته مثالا للرجل الكامل والرجل الإنسان فكان كما تذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مهنة أهله فكان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه، وما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يغضب لنفسه أبدا، عن أنس رضي الله عنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه برد نجراني غليظ فجذبه منه حتى أثر في عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا محمد مر لي من مال الله الذي ليس بمالك ولا مال أبيك، فتبسم الرسول وأمر له بعطاء ولما قدم أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد وبال الأعرابي فيه فهم الصحابة به، فقال الرسول الإنسان لا تذرموه وأريقوا على بوله سجلا من ماء. أي لا تقطعوا عليه بوله فيؤذيه، وألقوا على بوله دلوا من ماء فيطهره، هذه المواقف ما أحرى أن تدرس في مؤسساتنا التعليمية وأن تعلن لكل البشرية، وكان يدخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة يريد أن يطيل فيها فيسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته أي يخففها، رحمة بأمه، ولما جاءت سبايا طيئ كان من بينهم بنت حاتم الطائي (سفانة) فقالت يا رسول الله: أنا ابنة حاتم الطائي كان يغيث الملهوف ويحمي الديار ويطعم الجائع ويحسن الجوار، اعتقني يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هذه أخلاق المؤمنين، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، أطلقوا سراحها، فرجعت إلى أخيها وقالت له: اذهب إلى محمد فلتجدنه رحيما كريما، وفي إحدى الغزوات رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة مقتولة فتغير وجهه، وقال ما أمرتكم بهذا، ونهى عن قتل النساء والصبيان، أليست هذه الإنسانية جديرة بأن تكون قدوة لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين، الذي كثر فيه قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت وكل العالم ينظر ويرى ثم يتشدقون بحقوق الإنسان؟ إن صلاح البشرية وسعادتها لا يكون إلا بتطبيق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، رسول الإنسانية ومبعوث العناية الإلهية، يقول تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107، ويقول تعالى: "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 123-124، وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التيسير والتخفيف ما لم يكن إثما، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه في أمر ينتهك منه، إلا أن تنتهك لله عز وجل حرمة فينتقم لله عز وجل، أخرجه أحمد وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة، الأدب المفرد، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، رواه مالك، وهكذا كان الرسول إنسانا كاملا.