| استقر رأي السويسريين في الإستفتاء الذي تم يوم الأحد 30 نونبر(نوفمبر / تشرين الثاني) 2009
على عدم السماح ببناء صوامع (مآذن) للمساجد على تربة بلادهم . و قد سبق و لحق هذا القرار زوبعة
من النقاشات داخل و خارج سويسرا، أول بلد عمل بمبدأ الديمقراطية. والنقاش حول الصومعة غير منحصر
على سويسرا، بل نجده في مجموع الدول الأوروبية بمستويات متباينة، إلى درجة أنه يمكن القول بأن
هناك "عقدة الصومعة في أوروبا". للتذكير، فإن الدول الأوروبية تعمل بمبدأ التفريق بين "ما للقيصر
لابد هنا من الإشارة بأن هذا التمييز اللائيكي لا يعني البتة "محاربة" الدين أو معاداته، بل فقط
تحجيمه إلى حدوده الطبيعية كتصور للعالمين الدنيوي و الأخروي. بمعنى أن السياسة و المؤسسات
الدستورية هي التي لها الصلاحية في تنظيم الأشياء الدنيوية، دون مرجعية كهنوتية أو دينية و دون
السماح لهذين الأخيرين التدخل في تسيير الأمور العامة، على الرغم من وجود أحزاب سياسية ذات مرجعية
دينية في الظاهر، كالأحزاب الديمقراطية المسيحية مثلا. للتذكير أيضا، فإن هذا التفريق بين الكنيسة
و السياسة لم يأت من فراغ، بل تحقق تدريجيا عبر القرون و بدأ بثورات دامية في معظمها ضد الحكم
المطلق للكهنوت. فقد كانت الكنيسة المسيحية تعتبر نفسها في القرون الوسطى سلطة روحية دينية و
سلطة دنيوية، يعني كانت تتمتع بسلطة مطلقة، بما يترتب عن ذلك من بطش و قهر، ليس فقط للرأي الآخر،
بل لكل الآراء الخارجة عن فلك الكنيسة. كان هذا التمييز إذن حدثا تاريخيا ميًز مسار و مصير
المجتمعات الأوروبية منذ عصر الأنوار ، وما يزال يتحقق تدريجيا في التاريخ المعاصر للقارة الهرمة،
التي تحاول "تصديره" بطرق و وسائل مختلفة إلى ثقافات أخرى.
إن الخوض في مشكل "الصومعة" و السماح بها أو حذرها في أوروبا لا يخلو من مشاكل، لأنه متشعب ويدور
على مستويات عدة ، والأدهى من ذلك، يختلط فيه الواقعي بالخيالي و مؤسس على ترسانة من الأحكام
المسبقة من الطرفين. لكنه لا يخلو في عمقه من دلالات أيديولوجية و ثقافية "و اصطدام" بين منظومات
مرجعية مختلفة في أسسها وتوجهاتها المختلفة. لذا وجب الحذر والتحلي بقسط وافر من العمق
الإبستيمولوجي و النقد الموضوعي وعدم السقوط الواعي أوغير الواعي في فخ أحكام قيمة باهتة تحتقر
الذات والآخر أو تمجد الذات و تحتقر الآخر أو العكس. من هنا، لا يجب اختزال هذا النقاش في بعد من
أبعاده، بل التعامل معه في شموليته و "فضفاضيته"، وعيا بما له من نتائج عملية على العلاقة بين
أوروبا و الإسلام في الوقت الراهن. وسأركز الحديث هنا، ولو في عجالة، على البعد السيكولوجي للمشكل،
ميدان تخصصي، تاركا دراسة الأبعاد الأخرى لمتخصصين آخرين :
1. الفوبيا الإسلامية لا يختلف اثنان في التأكيد على أن هناك ما يصطلح عليه في علم النفس بالفوبيا
اتجاه الإسلام في عموم الدول الأوروبية. و تعني الفوبيا فيما تعنيه خوف من شيء أو شخص ما دون أسباب
موضوعية لهذا الخوف. فهناك من يعاني من فوبيا الفأر أوالأماكن العامة أو الظلمة أو الثعبان إلخ.
ولا تتغير الشحنة النفسية المرافقة لهذه الفوبيا سواء حضر موضوع هذه الفوبيا أو غاب. و هناك
فوبيات موضوعها كائنات أو أشياء خيالية ليس لها في الواقع أي وجود حقيقي كالخوف من "عيشة قنديشة"
و "الغول" إلخ. للفوبيا أسس و قوانين نفسية خاصة، بدونها لا يمكن اعتبارها فوبيا، بل خوف طبيعي.
ومن الخصائص الرئيسية للفوبيا هناك حضورها الدائم و القوي شعوريا ًفي وعي أو لاوعي الفرد أو
الجماعة. يكفي لكي تمرً من مستوىً لا واع ٍ إلى مستوى واع ٍ لسبب بسيط ، لتتمظهر في سلوكات معيًنة.
يمكن لأي ملاحظ ٍ يقظ ، يعيش في أوروبا أو له علاقة مع أوروبيين ، أن يلاحظ بأن أول موضوع نقاش بين
أوروبي و مسلم يكون هو الموضوع الديني وبالخصوص الإسلام . وفي غالب الأحيان يكون هذا النقاش نقاشا
منفعلا، لأن كل طرف يتكلم من زاويته، بل في كثير من الأحيان ما يسقط المسلم في دور الدفاع عن دينه
وتقديمه كأحسن دين ، مُتيقنا ًبأن ذلك حقيقة لا تعلو عنها حقيقة ، وبأنه على كل بشر الدنيا اعتناق
الإسلام ، والسقوط بهذا في فخ أيديولوجية إسلامية ليست بالضرورة صحيحة ولا صالحة لكل الأزمان و الأمصار.
وهنا بالضبط يكمن بيت القصيد في اللاوعي الأوروبي : ما يهابه الأوروبي هو هذا الإيمان الأعمى للمسلم
بدينه واستعداده في الحالات القصوى "للموت أو القتل" من أجله وبسببه ، وعدم أخذ مسافة كافية بينه
و بين ما يعتقد فيه كما حدث في التاريخ الأوروبي .
تكمن جذور (فوبيا الإسلام) في اختلافات ثقافية عميقة بين الأوروبيين و المُهاجر المسلم البسيط .
لا داعي للتذكير هنا، بأن الأغلبية الساحقة لعموم المهاجر المسلم في أوروبا، تتشكل من مسلمين لا
يفهمون من دينهم غير القشور ويختزلونه في ممارسات طقوسية بسيطة منغمسة إلى النخاع الشوكي في
عادات وتقاليد بعيدة كل البعد عن روح الإسلام و فلسفته، بل وفي الكثير من الأحيان متنافضة معه.
وينعكس هذا الفهم البسيط والمبسط للمهاجر العادي لدينه في سلوكات لا تتماشى والبيئة التي هاجر
إليها ، سواء في اللباس أو نظام التغذية أو تربية الأطفال أو الإحتفالات بأعياد بعينها إلخ . بل
أكثر من هذا "يطالب" المسلم المهاجر ضمنيا البلد المستضيف التخلي عن عاداته وثقافته والإنخراط
في "الثقافات" المسلمة. وهنا نلمس بالضبط جانبا آخرَ يُغذي فوبيا الأوروبي تجاه الإسلام، مع العلم
أن الأوروبي متوسط التعليم واع ٍ بما فيه الكفاية تناقض َ القيَم في الممارسة اليومية، ليس فقط
للمسلم الذي يعيش بين ظهرانيه، بل و أيضا لعموم الشعوب المسلمة في مواطنها الأصلية.
فالدعاء إلى الفضيلة و ممارسة ضدها لا يمكن أن يقود إلا إلى حذر الآخر من المسلم، و هو حذر "معقول"
ما دام هناك شرخ بين النظرية و التطبيق. لا يمكن السكوت عن الدور السلبي لـ "الإسلام الجهادي" في
تعزيز فوبيا الإسلام عند غير المسلمين و بالخصوص الأوروبيين. و ما كانت أحداث 11 شتنبر (سبتمبر /
أيلول) إلا ذروة ما يمكن أن تصل إليه هذه الفوبيا حتى أصبح كل مسلم "قنبلة" تمشي على رجليها في
الشوارع الأوروبية و الشمال أمريكية بل و في القارة الأسترالية و غيرها. من طبيعة الحال أن "الفرق
الإسلاماوية" تجد تربة خصبة في الأنظمة الأوروبية "المتسامحة" و "المتفتحة"، والتي تقر للأخر بممارسة
دينه في إطار حرية الرأي والإعتقاد التي تنص علها مختلف دساتير أوروبا.
لم يعبًر الإسلام السياسي عن نفسه بما فيه الكفاية و لم يطور نفسه من الداخل ليصبح قوة سياسية
عصرية يمكن أن تندمج في الأنسجة السياسية المختلفة سواء في الدول المسلمة أو الأوروبية. على
العكس من هذا ظل الإسلام السياسي وحركاته إلى حد الآن منغمسا في منطق الحلال والحرام وفقه الحيض
والنفاس و تقديم الرجل أو اليد اليمنى عن اليسرى ولم يتحرر من طقوس أكل عليها الدهر وشرب للمرور
إلى أنسقة اقتصادية و سياسية بديلة تساير العصر وتندمج فيه، عوض مطالبة العصر الإندماج فيها.
أكثر من هذا، فإن العداوة المعلن عنها بين هذه الفرق نفسها و تناحراتها الأيديولوجية والسقوط
في منطق الفرقة الناجية واعتبار كل الفرق الأخرى على ضلال، وعداوة كل هذه الفرق للآخر بما فيه
الأنظمة في العالم المسلم وكل التشكيلات السياسية والحقوقية فيها. فالآخر بالنسبة لهذه الفرق،
ليس هو فقط الأوروبي غير المسلم ، بل كل من لا يقاسمها مُثلها و أيديولوجيتها. من طبيعة الحال فإن
الأوروبي الذي يعيش في مناخ متعدد ثقافيا وسياسيا وعقائديا لا يمكنه أن يخفي "خوفه" من مثل هذه
الفرق ، بل يعمم تصورها للإسلام على كل المسلمين الآخرين.
2. دلالة الصومعة : ليست الصومعة بناية مجرًدة من أية دلالة، تماما كما هو الشأن بالنسبة لأية بناية
أخرى، بل حمًالة لدلالات في ذاتها، منها الإيجابي ومنها القدحي، حسب الناظر لها. و الدلالة الرمزية
بالضبط هي التي أخذها السويسريون في عين الإعتبار عندما أدلوا بأصواتهم في قضية السماح ببناء
صوامع للمساجد أو عدم السماح بذلك. وإذا كانت دول أوروبية أخرى قد سبقت سويسرا في هذا النقاش
"الصومعي"، فإن الخاصية السويسرية في هذا الإطار هو أن الكلمة أعطيت للشعب على غرار الكثير
من القضايا الأخرى ، إذا ما استحضرنا إلى الذهن بأن الشعب السويسري يُستشار كل مرة عن طريق
استفتاءات في قضايا مصيرية تهمه.
في ألمانيا او النمسا ، مثلا ، توصًل المرء إلى حلول مغايرة حسب المناطق. هناك مناطق سمحت ببناء
مساجد بصوامع و هناك أخرى رفضت ذلك. من هذا المنطلق، فإن قضية الصومعة لم تصبح قضية وطنية،
لكنها ظلت إقليمية. كما سبقت الإشارة إلى ذلك، المنع ينحصر على الصومعة ولا يطال بناء أماكن
التعبد للمسلمين، أي المساجد. فالصومعة، في بلد مسيحي محافظ في غالبيته كسويسرا، "خطر" لأنه
يهدد الثقافة المسيحية الأصلية للبلد و عاداته و تقاليده، لأن المرء قلص الإسلام في بناية رمزها
الصومعة ، و شحن هذا التقليص بكل السلبيات الفوبَويًة التي يحملها عن الإسلام.
عدم قبول إدماج الصومعة في الهندسة المعمارية السويسرية هو رفض قاطع و واضح للوظيفة الرمزية
للصومعة وللتطبيقات العملية لهذه الوظيفة ، وعلى رأسها عدم قبول الجانب السياسي التبشيري
للمتحمسين للصومعة من الجانب المسلم. إذا انزلقنا إلى منطق المقارنة، فهل نتصور بأن أي بلد
مسلم حاليا سيقبل بناء كنيسة على أرضه؟ . ما يهمني هنا هو ليس الجواب، بل فقط طرح السؤال .
هناك تطبيقات عملية أخرى كثيرة لبناء الصومعة ، ومنها بالخصوص شعور السويسري والأوروبي بصفة
عامة بالتهديد في محيطه الإجتماعي العام و الخاص.
فالصومعة تخلق ديناميكية جديدة في النسيج المجتمعي وتفرض تغيير عادات النوم مثلا. فالتهليل
قبل أذان الفجر مثلا والإطالة فيه ونقل خطبة الجمعة والعيد إلى الشارع العمومي هو مسٌ بحق
المواطن في راحته اليومية واعتقاده. لا يمكن هنا المقارنة بين جرس الكنائس الذي يدق على رأس
كل ساعة بقوة صوتية مُقننة و مضبوطة ، وبين أبواق الصوامع المبالغ في علو صوتها. فحق الراحة
الليلية هو حق مضمون في معظم الدول الأوروبية بين العاشرة ليلا و السادسة صباحا. رمز الصومعة
في هذا الإطار بالنسبة للسويسري هو إحلال الفوضى عِوَض النظام و التسبب في تناحرات اجتماعية بين
المواطنين. ومعلوم بأن سويسرا من الدول الأوروبية الصارمة جدا في تطبيق قوانينها و نظامها.
لا محالة أن قضية الصومعة قد ساهمت بدورها في تضخيم التشنج بين أوروبا و الإسلام، والرابح من هذا
التشنج في أوروبا هي التنظيمات السياسية العنصرية المناهضة للمهاجر بصفة عامة ، والمسلم بصفة
خاصة ، و"الراديكالي" المسلم و بالخصوص الذي يعيش في أوروبا. ويضرب هذا التشنج بجذوره في
العصور الغابرة من تاريخ أوروبا والدول المسلمة ، وهو ليس وليد اللحظة الراهنة ، وقد كان على
الدوام حجرَ عثر في طريق التعايش والحوار بين الجانبين ، وسيبقى كذلك طالما لم يَع ِالإثنان معا
بأن مصيرهما هو التعايش و ليس التناحر.
بقلم : د. حميد لشهب - النمسا
على عدم السماح ببناء صوامع (مآذن) للمساجد على تربة بلادهم . و قد سبق و لحق هذا القرار زوبعة
من النقاشات داخل و خارج سويسرا، أول بلد عمل بمبدأ الديمقراطية. والنقاش حول الصومعة غير منحصر
على سويسرا، بل نجده في مجموع الدول الأوروبية بمستويات متباينة، إلى درجة أنه يمكن القول بأن
هناك "عقدة الصومعة في أوروبا". للتذكير، فإن الدول الأوروبية تعمل بمبدأ التفريق بين "ما للقيصر
لابد هنا من الإشارة بأن هذا التمييز اللائيكي لا يعني البتة "محاربة" الدين أو معاداته، بل فقط
تحجيمه إلى حدوده الطبيعية كتصور للعالمين الدنيوي و الأخروي. بمعنى أن السياسة و المؤسسات
الدستورية هي التي لها الصلاحية في تنظيم الأشياء الدنيوية، دون مرجعية كهنوتية أو دينية و دون
السماح لهذين الأخيرين التدخل في تسيير الأمور العامة، على الرغم من وجود أحزاب سياسية ذات مرجعية
دينية في الظاهر، كالأحزاب الديمقراطية المسيحية مثلا. للتذكير أيضا، فإن هذا التفريق بين الكنيسة
و السياسة لم يأت من فراغ، بل تحقق تدريجيا عبر القرون و بدأ بثورات دامية في معظمها ضد الحكم
المطلق للكهنوت. فقد كانت الكنيسة المسيحية تعتبر نفسها في القرون الوسطى سلطة روحية دينية و
سلطة دنيوية، يعني كانت تتمتع بسلطة مطلقة، بما يترتب عن ذلك من بطش و قهر، ليس فقط للرأي الآخر،
بل لكل الآراء الخارجة عن فلك الكنيسة. كان هذا التمييز إذن حدثا تاريخيا ميًز مسار و مصير
المجتمعات الأوروبية منذ عصر الأنوار ، وما يزال يتحقق تدريجيا في التاريخ المعاصر للقارة الهرمة،
التي تحاول "تصديره" بطرق و وسائل مختلفة إلى ثقافات أخرى.
إن الخوض في مشكل "الصومعة" و السماح بها أو حذرها في أوروبا لا يخلو من مشاكل، لأنه متشعب ويدور
على مستويات عدة ، والأدهى من ذلك، يختلط فيه الواقعي بالخيالي و مؤسس على ترسانة من الأحكام
المسبقة من الطرفين. لكنه لا يخلو في عمقه من دلالات أيديولوجية و ثقافية "و اصطدام" بين منظومات
مرجعية مختلفة في أسسها وتوجهاتها المختلفة. لذا وجب الحذر والتحلي بقسط وافر من العمق
الإبستيمولوجي و النقد الموضوعي وعدم السقوط الواعي أوغير الواعي في فخ أحكام قيمة باهتة تحتقر
الذات والآخر أو تمجد الذات و تحتقر الآخر أو العكس. من هنا، لا يجب اختزال هذا النقاش في بعد من
أبعاده، بل التعامل معه في شموليته و "فضفاضيته"، وعيا بما له من نتائج عملية على العلاقة بين
أوروبا و الإسلام في الوقت الراهن. وسأركز الحديث هنا، ولو في عجالة، على البعد السيكولوجي للمشكل،
ميدان تخصصي، تاركا دراسة الأبعاد الأخرى لمتخصصين آخرين :
1. الفوبيا الإسلامية لا يختلف اثنان في التأكيد على أن هناك ما يصطلح عليه في علم النفس بالفوبيا
اتجاه الإسلام في عموم الدول الأوروبية. و تعني الفوبيا فيما تعنيه خوف من شيء أو شخص ما دون أسباب
موضوعية لهذا الخوف. فهناك من يعاني من فوبيا الفأر أوالأماكن العامة أو الظلمة أو الثعبان إلخ.
ولا تتغير الشحنة النفسية المرافقة لهذه الفوبيا سواء حضر موضوع هذه الفوبيا أو غاب. و هناك
فوبيات موضوعها كائنات أو أشياء خيالية ليس لها في الواقع أي وجود حقيقي كالخوف من "عيشة قنديشة"
و "الغول" إلخ. للفوبيا أسس و قوانين نفسية خاصة، بدونها لا يمكن اعتبارها فوبيا، بل خوف طبيعي.
ومن الخصائص الرئيسية للفوبيا هناك حضورها الدائم و القوي شعوريا ًفي وعي أو لاوعي الفرد أو
الجماعة. يكفي لكي تمرً من مستوىً لا واع ٍ إلى مستوى واع ٍ لسبب بسيط ، لتتمظهر في سلوكات معيًنة.
يمكن لأي ملاحظ ٍ يقظ ، يعيش في أوروبا أو له علاقة مع أوروبيين ، أن يلاحظ بأن أول موضوع نقاش بين
أوروبي و مسلم يكون هو الموضوع الديني وبالخصوص الإسلام . وفي غالب الأحيان يكون هذا النقاش نقاشا
منفعلا، لأن كل طرف يتكلم من زاويته، بل في كثير من الأحيان ما يسقط المسلم في دور الدفاع عن دينه
وتقديمه كأحسن دين ، مُتيقنا ًبأن ذلك حقيقة لا تعلو عنها حقيقة ، وبأنه على كل بشر الدنيا اعتناق
الإسلام ، والسقوط بهذا في فخ أيديولوجية إسلامية ليست بالضرورة صحيحة ولا صالحة لكل الأزمان و الأمصار.
وهنا بالضبط يكمن بيت القصيد في اللاوعي الأوروبي : ما يهابه الأوروبي هو هذا الإيمان الأعمى للمسلم
بدينه واستعداده في الحالات القصوى "للموت أو القتل" من أجله وبسببه ، وعدم أخذ مسافة كافية بينه
و بين ما يعتقد فيه كما حدث في التاريخ الأوروبي .
تكمن جذور (فوبيا الإسلام) في اختلافات ثقافية عميقة بين الأوروبيين و المُهاجر المسلم البسيط .
لا داعي للتذكير هنا، بأن الأغلبية الساحقة لعموم المهاجر المسلم في أوروبا، تتشكل من مسلمين لا
يفهمون من دينهم غير القشور ويختزلونه في ممارسات طقوسية بسيطة منغمسة إلى النخاع الشوكي في
عادات وتقاليد بعيدة كل البعد عن روح الإسلام و فلسفته، بل وفي الكثير من الأحيان متنافضة معه.
وينعكس هذا الفهم البسيط والمبسط للمهاجر العادي لدينه في سلوكات لا تتماشى والبيئة التي هاجر
إليها ، سواء في اللباس أو نظام التغذية أو تربية الأطفال أو الإحتفالات بأعياد بعينها إلخ . بل
أكثر من هذا "يطالب" المسلم المهاجر ضمنيا البلد المستضيف التخلي عن عاداته وثقافته والإنخراط
في "الثقافات" المسلمة. وهنا نلمس بالضبط جانبا آخرَ يُغذي فوبيا الأوروبي تجاه الإسلام، مع العلم
أن الأوروبي متوسط التعليم واع ٍ بما فيه الكفاية تناقض َ القيَم في الممارسة اليومية، ليس فقط
للمسلم الذي يعيش بين ظهرانيه، بل و أيضا لعموم الشعوب المسلمة في مواطنها الأصلية.
فالدعاء إلى الفضيلة و ممارسة ضدها لا يمكن أن يقود إلا إلى حذر الآخر من المسلم، و هو حذر "معقول"
ما دام هناك شرخ بين النظرية و التطبيق. لا يمكن السكوت عن الدور السلبي لـ "الإسلام الجهادي" في
تعزيز فوبيا الإسلام عند غير المسلمين و بالخصوص الأوروبيين. و ما كانت أحداث 11 شتنبر (سبتمبر /
أيلول) إلا ذروة ما يمكن أن تصل إليه هذه الفوبيا حتى أصبح كل مسلم "قنبلة" تمشي على رجليها في
الشوارع الأوروبية و الشمال أمريكية بل و في القارة الأسترالية و غيرها. من طبيعة الحال أن "الفرق
الإسلاماوية" تجد تربة خصبة في الأنظمة الأوروبية "المتسامحة" و "المتفتحة"، والتي تقر للأخر بممارسة
دينه في إطار حرية الرأي والإعتقاد التي تنص علها مختلف دساتير أوروبا.
لم يعبًر الإسلام السياسي عن نفسه بما فيه الكفاية و لم يطور نفسه من الداخل ليصبح قوة سياسية
عصرية يمكن أن تندمج في الأنسجة السياسية المختلفة سواء في الدول المسلمة أو الأوروبية. على
العكس من هذا ظل الإسلام السياسي وحركاته إلى حد الآن منغمسا في منطق الحلال والحرام وفقه الحيض
والنفاس و تقديم الرجل أو اليد اليمنى عن اليسرى ولم يتحرر من طقوس أكل عليها الدهر وشرب للمرور
إلى أنسقة اقتصادية و سياسية بديلة تساير العصر وتندمج فيه، عوض مطالبة العصر الإندماج فيها.
أكثر من هذا، فإن العداوة المعلن عنها بين هذه الفرق نفسها و تناحراتها الأيديولوجية والسقوط
في منطق الفرقة الناجية واعتبار كل الفرق الأخرى على ضلال، وعداوة كل هذه الفرق للآخر بما فيه
الأنظمة في العالم المسلم وكل التشكيلات السياسية والحقوقية فيها. فالآخر بالنسبة لهذه الفرق،
ليس هو فقط الأوروبي غير المسلم ، بل كل من لا يقاسمها مُثلها و أيديولوجيتها. من طبيعة الحال فإن
الأوروبي الذي يعيش في مناخ متعدد ثقافيا وسياسيا وعقائديا لا يمكنه أن يخفي "خوفه" من مثل هذه
الفرق ، بل يعمم تصورها للإسلام على كل المسلمين الآخرين.
2. دلالة الصومعة : ليست الصومعة بناية مجرًدة من أية دلالة، تماما كما هو الشأن بالنسبة لأية بناية
أخرى، بل حمًالة لدلالات في ذاتها، منها الإيجابي ومنها القدحي، حسب الناظر لها. و الدلالة الرمزية
بالضبط هي التي أخذها السويسريون في عين الإعتبار عندما أدلوا بأصواتهم في قضية السماح ببناء
صوامع للمساجد أو عدم السماح بذلك. وإذا كانت دول أوروبية أخرى قد سبقت سويسرا في هذا النقاش
"الصومعي"، فإن الخاصية السويسرية في هذا الإطار هو أن الكلمة أعطيت للشعب على غرار الكثير
من القضايا الأخرى ، إذا ما استحضرنا إلى الذهن بأن الشعب السويسري يُستشار كل مرة عن طريق
استفتاءات في قضايا مصيرية تهمه.
في ألمانيا او النمسا ، مثلا ، توصًل المرء إلى حلول مغايرة حسب المناطق. هناك مناطق سمحت ببناء
مساجد بصوامع و هناك أخرى رفضت ذلك. من هذا المنطلق، فإن قضية الصومعة لم تصبح قضية وطنية،
لكنها ظلت إقليمية. كما سبقت الإشارة إلى ذلك، المنع ينحصر على الصومعة ولا يطال بناء أماكن
التعبد للمسلمين، أي المساجد. فالصومعة، في بلد مسيحي محافظ في غالبيته كسويسرا، "خطر" لأنه
يهدد الثقافة المسيحية الأصلية للبلد و عاداته و تقاليده، لأن المرء قلص الإسلام في بناية رمزها
الصومعة ، و شحن هذا التقليص بكل السلبيات الفوبَويًة التي يحملها عن الإسلام.
عدم قبول إدماج الصومعة في الهندسة المعمارية السويسرية هو رفض قاطع و واضح للوظيفة الرمزية
للصومعة وللتطبيقات العملية لهذه الوظيفة ، وعلى رأسها عدم قبول الجانب السياسي التبشيري
للمتحمسين للصومعة من الجانب المسلم. إذا انزلقنا إلى منطق المقارنة، فهل نتصور بأن أي بلد
مسلم حاليا سيقبل بناء كنيسة على أرضه؟ . ما يهمني هنا هو ليس الجواب، بل فقط طرح السؤال .
هناك تطبيقات عملية أخرى كثيرة لبناء الصومعة ، ومنها بالخصوص شعور السويسري والأوروبي بصفة
عامة بالتهديد في محيطه الإجتماعي العام و الخاص.
فالصومعة تخلق ديناميكية جديدة في النسيج المجتمعي وتفرض تغيير عادات النوم مثلا. فالتهليل
قبل أذان الفجر مثلا والإطالة فيه ونقل خطبة الجمعة والعيد إلى الشارع العمومي هو مسٌ بحق
المواطن في راحته اليومية واعتقاده. لا يمكن هنا المقارنة بين جرس الكنائس الذي يدق على رأس
كل ساعة بقوة صوتية مُقننة و مضبوطة ، وبين أبواق الصوامع المبالغ في علو صوتها. فحق الراحة
الليلية هو حق مضمون في معظم الدول الأوروبية بين العاشرة ليلا و السادسة صباحا. رمز الصومعة
في هذا الإطار بالنسبة للسويسري هو إحلال الفوضى عِوَض النظام و التسبب في تناحرات اجتماعية بين
المواطنين. ومعلوم بأن سويسرا من الدول الأوروبية الصارمة جدا في تطبيق قوانينها و نظامها.
لا محالة أن قضية الصومعة قد ساهمت بدورها في تضخيم التشنج بين أوروبا و الإسلام، والرابح من هذا
التشنج في أوروبا هي التنظيمات السياسية العنصرية المناهضة للمهاجر بصفة عامة ، والمسلم بصفة
خاصة ، و"الراديكالي" المسلم و بالخصوص الذي يعيش في أوروبا. ويضرب هذا التشنج بجذوره في
العصور الغابرة من تاريخ أوروبا والدول المسلمة ، وهو ليس وليد اللحظة الراهنة ، وقد كان على
الدوام حجرَ عثر في طريق التعايش والحوار بين الجانبين ، وسيبقى كذلك طالما لم يَع ِالإثنان معا
بأن مصيرهما هو التعايش و ليس التناحر.
بقلم : د. حميد لشهب - النمسا
السبت مارس 26, 2016 2:20 am من طرف 2ananabac55
» Hack Texas HoldEm Poker
الأحد ديسمبر 21, 2014 10:30 pm من طرف yousef
» برنامج زيادة المال في لعبة Texas HoldEm Poker
الخميس فبراير 27, 2014 4:27 am من طرف nxh1910
» طريقة لزيادة الرصيد في بوكر الفيسبوك , اسهل طريقة لزيادة الشبس في لعبة البوكر
الأربعاء فبراير 12, 2014 4:12 am من طرف محمد حكيم
» برنامج زيادة النقاط وزيادة النقود في لعبة كنتري لايف country life
السبت فبراير 08, 2014 6:18 am من طرف sezer999
» طريقة استخراج الكنوز والدفائن
السبت نوفمبر 16, 2013 6:38 am من طرف zeidan
» اكتشاف13 مدفنا محفورة بالصخر الجيري في منطقة حوارة باربد
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:45 am من طرف zeidan
» الدفائن والكنوز اليهودية
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:01 am من طرف zeidan
» برنامج زيادة رصيد البوكر , الحصول على رصيد بالبوكر بالملاين
الإثنين سبتمبر 23, 2013 1:03 pm من طرف basemo
» برنامج الغش في لعبة Millionaire City مليونير المدينة في الفيسبوك facebook
السبت أغسطس 03, 2013 11:51 am من طرف ALJOKAR08
» تعرفة الخطوط الجديدة لمشتركي زين
الأربعاء مايو 01, 2013 4:03 pm من طرف علاء المنير
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الجمعة أبريل 12, 2013 12:25 am من طرف csc
» ما هو ( اندرويد ) ؟
الخميس مارس 07, 2013 6:44 am من طرف xxxfares
» عندما يكون الاشيء شيء
الإثنين يناير 14, 2013 12:32 am من طرف منى اللوزي
» كلمات سر امبايرز اند اليز
الجمعة يناير 11, 2013 5:54 am من طرف السفاح الابيض
» الصمت الصامت
الخميس يناير 10, 2013 7:00 am من طرف نشأت حداد
» برنامج زيادة الطاقة و زيادة المال في لعبة Empires & Allies
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:53 am من طرف سمرة
» مبارك يواجه مصيره
الخميس ديسمبر 20, 2012 11:47 am من طرف سمرة
» لماذا نتألم
السبت سبتمبر 01, 2012 5:43 am من طرف لولو
» حقائق راسخة مغلوطة
السبت سبتمبر 01, 2012 5:32 am من طرف لولو