السيدة توجان فيصل

إعلاميّة سابقة ونائب في مجلس النواب الأردنيّ بالتسعينيات، وخضت أهم النقاشات السياسيّة تحت قبة البرلمان ومن أشهر الشخصيات النسائيّة العربيّة، هل ستحارب توجان فيصل لتعود من جديد لقبة البرلمان؟

قبة البرلمان هي باب كل إصلاح لكل ما نعاني منه على كافة الأصعدة، لأن السياسة هي كل شيء. والسياسة بدأت مع بداية تشكّل المجتمعات البشريّة للتعاون على إدارة شؤونها. وحتى ما نسمية بالديمقراطيّة في المجتمعات الحديثة هي في الحقيقة سمة رافقت أول ظهور لمجاميع بشريّة حتى بين آكلي لحوم البشر. فهؤلاء اتفقوا، على الأقل، على أن لا يأكلوا بعضهم البعض، وأن يقتسموا صيدهم. أي كما تفعل الآن الدول الاستعماريّة الديمقراطيّة في الداخل فقط . ولا أبالغ إن قلت إن الحياة النيابيّة ضروريّة حتى يومنا كي لا يأكل الناس بعضهم البعض، كما نقول بالعاميّة.

لهذا فجوابي هو: أجل، سأحارب وبتصميم أكبر كي أعود للقبة، فالقادم لن يقف عند استمرار أكل المستقوي منا للمستضعف، بل هو ينذربأشكال غير مسبوقة من العنف والجريمة ستظهر بتسارع مع ازدياد منسوب الظلم والفقر والحرمان والخوف والأحقاد المتبادلة، ولكن لكي تكون الحياة البرلمانيّة صمام أمان وأداة استقرار وازدهار، يجب أن يكون التمثيل للشعب حقيقيا. من هنا فإن القضية الأهم التي أحارب لأجلها هي أن يسترد الشعب قبّته. وبالطبع أريد العودة فأنا أعتقد أنني أديت مهمتي هناك بأفضل من كثيرين غيري، فالمهمة تلزمها النزاهة والحرفية في آن، وإذا كنت قلقة بشأن قضية فالطبيعيّ أن تحاولي توليها بنفسك، وبلدي كأولادي، أحس أنهم في أمان أكثر إن كنت أنا من يرعى شؤونهم ومصالحهم.



الكوتا تزوير مبطّن

أنت: مَثلت أمام محكمة أمن الدولة، وأقمت قضايا طالبت خلالها بحق خوض الانتخابات النيابيّة المقعد النسائيّ، هل يقف القيد الأمني حاجزاً أمام طموح توجان وتمردها؟

بداية، أنا أرفض الكوتا بكل أنواعها لأنها تزوير مبطن وإضعاف متعمد لمجلس النواب، وعلى أية حال المرشحات لا يترشحن عن الكوتا النسائيّة، هن يترشحن في منافسة حرة ثم يدخل عدد منهن البرلمان وإن لم يفزن بثقة الشعب. وفي هذا وصاية غير دستورية ومهينة تُفرض على شعب من أعلى الشعوب العربيّة تعلما، ومتأهل للديمقراطيّة وللحكم أكثر من الحكومات التي تفرض عليه.

أما كوتا الأقليات، غير الدستوري

ّة هي أيضا، فإن القانون يلزم أي مرشح من الأقليات على ذكر المقعد الذي يترشح له أو يرفض ترشيحه بزعم أن أوراقه ناقصة. ومع أنني فزت دونما حاجة لرافعة الكوتا الشركسيّة، كوني جئت بين خمسة مرشحين حصلوا على أعلى الأصوات في دائرة خُصص لها خمسة مقاعد. وهي الدائرة الثالثة المسماة دائرة الحيتان، فإن الناطقون باسم الحكومات يصرون, في مخالفة صريحة لأرقام نتائجهم المعلنة، على زعم أنني ما كان يمكن أن أفوز دون الكوتا الشركسيّة لتبرير كل كوتاتهم وبقية تدخلاتهم.

أما تكرار منعي من الترشيح، فيرد عليه كامل الجسم القانونيّ المعتبر في البلد الذي ترافع تطوعيا في المحاكم وصولا إلى العدل العليا دون جدوى، ونشروا أبحاثا ومقالات بهذا الخصوص.

لم أتمرّد على الرجال

أنت: تمردت على الرجل فكنت أشبه بالمرأة الحديديّة التي لا تقهر، وناضلت من أجل كثير من القضايا التي تهم المواطن، هل مازالت توجان متمردة في حياتها؟

الحقيقة أنني لم أتمرد على الرجل، ولم أتمرد بتاتا في حياتي الخاصة. والسبب أن كل الرجال الرئيسيين في حياتي وتحديدا، أبي وزوجي

ــ رحمهما الله ــ كانا بعقليات منفتحة ويؤمنون بمساواة المرأة ومستاآن من الانحيازات ضدها والظلم الواقع عليها قدراستيائي. وكانوا مصدر دعم لا ينضب لي، لهذا كنت كمن ينفق عن سعة على قضايا الآخرين. ثم إن زواجي قام على حب جارف. والحب، ولو من طرف واحد، هو هبة الحياة الأكبر، فكيف إن كان متبادلا، وهو الأندر؟ هل أتمرد على أفضل ما وهبتني إياه الدنيا ؟ الحب هو السيد الوحيد الذي لا يجوز التمرد عليه، بل وأتمنى أن يسود حياة أبنائي أيضا؛ فهو شيء ربانيّ لدرجة أن المتصوفين استعاروه ليعبّروا به عن تعلّقهم بالذات الإلهيّة. الذي يجب التمرد عليه هو الظلم والقهر والفساد، وتمردي هو على ظلم عام لا أقبل أن أكون شيطانا أخرس في حضوره.

أنت: أول برلمانيّة تسجن. يقال بأن السجن عالم مختلف، كيف تصفين السجن؟ وكيف كنت تقضين تلك الأيام؟

السجن لا أعرف حقيقة عالمه، فقد كانت ظروف اعتقالي مختلفة كليا. فأنا أول سجينة سياسيّة والباقيات تهمهن جنائيّة. وعلى عكس السجناءالسياسيين من الرجال، الذين هم كثر ويختلطون مع بعضهم ومع بقية المساجين، أنا تعمدوا أن لا أختلط بأحد. وبالطبع أروني معاملة تفضيليّة، حتى أن الماء الساخن الذي لا يتوفر إلا مرتين في الأسبوع، كان يحضر لي في إبريق ضخم لم أر شيئا بحجمه من قبل، لأنني معتادة على حمام يوميّ. وفتحوا لي قاعة الجيم، إلآ انني اكتشفت أن غالبية الأجهزة مكسرة، فآثرت التريض في المهجع الكبير الذي ليس به سوى سريري. وكنت أخرج للساحة المجاورة كلما طلبت، ولكنني أقللت من هذا عندما اكتشفت أن كل نزيلات العنبر الذي فوقي يحرمن من النزول لتلك الساحة. ولكن بالمقابل جرى تعمّد إذاعة مواعظ دينيّة بصوت عالٍ وبشكل مؤذ، واحتجاجي المتوقع على الصوت العالي، هو ما أضيف للتهم الموجهة لي لكسب تعاطف الشعب المسلم الذي كان يقف ضدهم. واستمر الأمر لأسبوعين حتى زيارة وفد الصليب الأحمر لي. ولكنني كنت قد فقدت جزءا من سمعي، ولديّ تقرير طبيّ رسميّ يفيد بأن ما أصاب سمعي ناتج عن التعرض لصوت عالٍ، وهو ما أنوي تقديمه لمحكمة دوليّة.

العزلة ووقت الفراغ الكبير هما أهم ما ميّزالفترة قبل نقلي للمدينة الطبيّة، كوني أضربت عن الطعام طوال آخر 29 يوما من 100 يوم التي شكّلت اعتقالي. في المستشفى كان هناك التلفاز والزيارات اليوميّة لأبنائي والمحامي. أما في الجويدة، فزيارات الأهل قصيرة والحديث معهم عبر هاتف مراقب، وتستثنى المراقبة عن لقاء المحامين. وحرص محاميّ المرحوم زايد الردايدة على الدوام عندي طوال الأيام الثلاثة المخصّصة للمحامين، وأصبح نافذتي على العالم. وبقية وقتي وظّفته للقراءة. والأهم أن الفراغ أعطاني فترة للتأمل والعودة للذكريات وربطها، مما لم يتح لي لسنوات لشدة انشغالي بالشأن العام. وهناك أكملت في ذهني المخطط التفصيليّ لمذكراتي التي عزمت على إتمامها هذه المرة، مما سهّل عليّ كتابتها في فترة وجيزة بعد خروجي. وهي الآن في عُهدة ناشر دولي ضمن اتفاقيّة تتيح له نشرها عند وفاتي أو اعتقالي أو إذني له بالنشر.. وهذا ليس سرا، إذ يعرفه كبار المسؤولين، ولكن لا أحد يعرف الناشر ولا المحامين ــ وهم من الخارج ــ الذين أبرموا لي العقد معه، فذلك من شروط العقد التي لن يفرّط به هؤلاء لأكثرمن سبب مهنيّ وماليّ. كما وجدت الوقت للعودة لكتابة الشعرالذي انقطعت عنه لانشغالي، فكانت قصيدتا: رمانة القلب، عن عمان، وأغنية

لفلسطين، والتي عبّرت عن مآسي الاجتياح الذي كان جاريا آنذاك للضفة وعن بطولات المقاومة.



الشعب قسمان

أغلبيّة محرومة ومضطهدة وأقليّة ترتع في ثراء فاحش

أنت: هل تعتقدين أن المرأة الأردنيّة أخذت كامل حقوقها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها من الحقوق؟

لا أبدا، ولكن أين الرجال الذين أخذوا تلك الحقوق؟ ما يجري عندنا هو أن حفنة من الرجال ونسائهم بالمعية أو عينات نسائيّة من النوع الذي يسكت على الغلط في البيت وخارجه، استولوا على تلك الحقوق، مما قسّم الشعب لأغلبيّة محرومة ومضطهدة، وأقليّة ترتع في ثراء فاحش فاسد، وحقوق المرأة لن تحصل دون إصلاح هذا الحال.

أنت: ما رأيك في قانون الأحوال الشخصيّة والخلع؟ هل أعطى حقّا للمرأة وخدمها؟

بداية يجب أن نبيّن أن قانون الأحوال الشخصيّة لا يعكس الأحكام الشرعيّة بالضرورة، بل كثيرا ما يعكس الأعراف الاجتماعيّة المتخلفة أو حتى المصالح الشخصيّة لواضعيه، وهم جميعا ذكور. ولهذا سعيت لتعديله منذ أواسط الثمانينات وعبر ندوة عقدناها بمبادرة من ناد لنا هو نادي الجامعيات العربيات. والخلع مقابل رد المقبوض من المهر لا أكثر، كان من ضمن ما طرحناه، كونه حقا للمرأة مثبتا في القرآن الكريم وفي عدد من الأحاديث الصحيحة، ولأسباب منها قول امرأة إنها لا تعيب على زوجها لا خلقا ولا دينا ولكنه قمىء ب ين الرجال وتخشى على نفسها من الفتنة. فحكم لها الرسول بالخلع مقابل ردها حديقة أخذتها كمهر لها. وقيسي على هذا أحكام أخرى في ذلك القانون ما إن تقربها النساء حتى يقذفن بأبشع التهم دون اعتبار أن الحديث النبويّ الصحيح أيضا، عند قذف المحصنات من الموبقات السبع التي لا يدخل مرتكبها الجنة.

أنت: ماذا تريد توجان من المسؤولين؟

لن أقول أن يحكّموا ضميرهم لأننى واقعيّة ولا أبيع حكي. أقول: أن يلتزموا بالدستور.

الدستور ليس قانونا فقط، بل هو أبو القوانين، والقانون الذي يخالف الدستور باطل لا وزن له.

أنت: ما هي القضايا التي تريدين أن يبحث بشأنها؟

الفساد هو سبب كل كل بلاء، هو السرطان الذي يدمر كل أجهزة الجسم الوطنيّ، ولا علاج إلا باستئصاله.

لا نريد كوتات

ولانبش للأصول والمنابت

أنت: هل قدّم الشركس الدعم لتوجان خلال مسيرتها العمليّة؟

بمثل ما قدم الأردنيون العرب، أغلبية صالحة معي لأنها مع الوطن والحق، أما أتباع الحكومة فحالهم كحال أمثالهم بين فئات الأردنيين الأخرى. ولكن مؤخرا جرى فرز جذريّ.

فالشراكسة يعتبرون الأردن وطنهم وهم من أهم مؤسسيه. وعمان وتحديدا القصبة التي كانت تسمى بالدائرة الثالثة، هي قرية الشركس التي بنوها في القفر لتصبح حاضرة تأهلت لتكون العاصمة. وبالمقابل أنا فزت مرتين في تلك الدائرة. فالأصوات الذي زعمت الحكومة أنها كل ما حصلت عليه عام 97 تساوي مجموع ما حصل عليه ثلاثة نواب دخلوا المجلس عن تلك الانتخابات مسلمان مثلي ومسيحيّ، ومنعت أنا بسبب الكوتا بزعم أن مرشح الحكومة الشركيّ حصل على بضعة أصوات أكثر مني.

وكتبت بيانا يوضح هذا حينها، في حين سكتت أقليّة كانت تحاربني بسلاح فئوي لإصراري على أنني أردنية ونائب لكل الوطن بل وقوميّة عربيّة في سياساتي ..وسكوت هؤلاء المتسلحين بالفئوية على هذا التمييز لست سنوات جعل الشراكسة مؤيدين لي بأكثر من ذي قبل، وبياني اعتمدوه وثيقتهم التي رفعوها في وجه من فرّط بحقوقهم. وفيه نرفض الكوتات التي تؤدي لتقسيم أخطر للوطن وأهله، ولكن لحين إلغائها لا نقبل هذا التهجير السياسيّ القسريّ خارج عمان وقصبتها الثالثة، مهد مواطنتنا وعنوانها، ودرة الأردن التي أصبحت معيار سياستها وحلبة أقوى فرسان ديمقراطيتها. ونحن لا نريد احتكارها أو احتكار عمان إقليما خاصا بنا، ولكننا نريد تعميم نموذجها الحضاريّ الديمقراطيّ التعدديّ الموحد للوطن وأهله، بلا كوتات ولانبش للأصول والمنابت ولا نخر عبرها.



لن أكون توجان

لو اكتفيت من السياسة

أنت: هل اكتفت توجان فيصل صاحبة الشخصيّة القويّة من العمل في الحياة والسياسية وفضّلت البيت على السياسة وقضايا الفساد؟

لن أكون توجان لو فعلت. بيتي هو كامل مساحة الأردن، وأهله أسرتي. أما الفساد، فمن الذي يسكت على لص في بيته؟

أنت: ماذا تقول توجان فيصل عن الجرائم التي ترتكب بحق المرأة بداعي الشرف؟

العنف ضد المرأة والمطالبات بتوفير الحماية لها و

ما تقدمه المؤسسات الحكوميّة وغير الحكوميّة في هذا المجال، هل يكفي لحمايتها من عنف الزوج؟ وماذا تقترحين لحل قضايا العنف؟

هذا أيضا تصدينا له في ندوة وطنيّة في 1989، وكنت من أدار الندوة لاهتمامي الشخصيّ بالموضوع منذ أمد بعد أن عرفت الكثير من حقائق ما يجري باسمه، لكون والدي محاميا وابن خالتي قاضيا تدرج في السلك حتى ترأس محكمة العدل العليا. وعبر أحاديثهما عرفت حقيقة توظيف فئة منحرفة لذرائع الشرف لأغراض التستر على جرائم من مثل محاولة الاتجار بالنساء عبر تزويجهن قسرا أو ابتزازهن أو الطمع في ميراثهن، والأسوأ أن يقعن ضحايا اغتصاب داخل الأسرة ومن قِبل محارم، فيحري التستر على المجرم بقتل الضحية مرتين. ولم نتعرض لا أنا ولا النادي لأية هجمة، بل وجدنا تأييدا وإشادة. والسبب أننا كنا متمكنين من موضوعنا بحقائق الواقع وحكم الشرع، وأيضا حكم العادات العشائريّة المحمودة، والتي تأتي على نموذج موقف سيدنا عمر حين ألقى بعباءته. أي التشجيع على الستر والإصلاح حتى عندما يكون هنالك زلل. وهو ما أفادنا به محاضر من وجهاء إحدى العشائر.

أما البعد الشرعيّ، فهو محسوم، ويتمثل في اللعان الذي هو الحكم في حالة ضبط رجل لزوجته مع آخر في الفراش، والشرع لا ييبح للزوج ولا لغيره أن يكون المدعي والشاهد والقاضي والجلاد في آن كما يجري الآن في ظل قانون مخالف للشرع صراحة. ولا يمكن تفصيل حكم اللعان في هذه المساحة ولكنني أقدم لمجلتكم مقالة لي تشرحه مفصلا وسبق نشرها لتنشر في عدد قادم. فهنا لا يجوز الاجتزاء الذي طالما أسقط من قبل جهودا ساذجة مرتجلة او استعراضيّة، للتصدي لهذه الآفة.

العنف الأسريّ بأشكاله دليل عجزمن يمارسه، وهو خطير ويجب وقفه منذ البداية. لأن هناك حالات عنف انتهت بالقتل غير العمد، فتعذر القاتل بأنها كانت جريمة شرف لينجو من العقاب.

العفو