في ظل تعاليم رب العالمين "بر الوالدين"

لقد أوصى الله ببر الوالدين والإحسان إليهما والقيام بحقوقهما في سبع سور من القرآن الكريم وهي البقرة والنساء والأنعام والإسراء والعنكبوت ولقمان والأحقاف وإذا تأملنا فإن السماوات سبع والأرضين سبع وأيام الأسبوع سبعة فكأن السماء تشارك الأرض في كل يوم الاحتفال والتكريم للوالدين، وكما أن هذه المخلوقات عظيمة فإن تقدير الوالدين والقيام ببرهما مهم وعظيم وخصوصية الاحتفال بالمرأة أي الأم نجد أن سورة في القرآن تسمى "النساء" وأخرى تسمى "مريم" ولم تعن الشريعة الإسلامية بشيء عنايتها بالبحث عن احترام الوالدين وحسن صحبتهما فقد قرر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أن طاعتهما وبرهما والإحسان بهما من أفضل القربات عند الله تعالى بعد توحيده وعبادته، كما أن عقوقهما وإيذاءهما من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس، رواه البخاري.
وإذا تفكرنا فيما ورد من وصية بالوالدين في السور المذكورة أعلاه يتجلى البر في أسمى معانيه وأجمل صوره، ولنبدأ بسورة البقرة، حيث إن الوصية بالوالدين في مقدمة الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل بعد الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الشرك به، قال الله تعالى: "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون" البقرة .83
وإذا تأملنا الإحسان بالوالدين في الآية الكريمة فإن دائرته تتسع لتشمل كل إحسان قولي وفعلي كلمة طيبة، ملاطفة، علاج، نظافة، مطعم، مشرب، مأكل، رعاية.. الخ، ومن الإحسان بالوالدين إلى الإحسان بالأقرباء واليتامى والمساكين والناس كل الناس "وقولوا للناس حسنا".
وهكذا يتدرج بنا القرآن في الدعوة إلى الإحسان والحث على الوفاء، الأقرب فالأقرب حتى يشمل عموم الناس، وهكذا يطلب القرآن الكريم إلى المسلم أن يكون بارا ومحسنا لوالديه والأقرباء والمحتاجين واليتامى والمساكين وأيضا مع الناس كل الناس أي يصبح الإحسان سجية وخصلة من سجايا وخصال المسلم وبهذا تسود المحبة ويعم الخير والوفاء.
وفي سورة النساء تأتي الوصية بالوالدين بعد إفراد الله بالعبودية محبة وطاعة وذلا وإخلاصا في جميع العبادات الظاهرة والباطنة وبعد أن أمر الله بعبادته والقيام بطاعة أمره، دعا إلى القيام بحقوق العباد وعلى رأسها حق الوالدين، قال الله تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" النساء .36
يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا" يريد سبحانه بالإحسان بالوالدين: البر بهما مع اللطف ولين الجانب فلا يغلظ الإنسان لهما في الجواب ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما.